مقالات - Articles

الانقلاب المدني

*بقلم: (المعلم) الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا

1. شهوة الانقلابات في عالمنا العربي، يبدو أنها شهوة جامحة، لا تقتصر على قطر ولا على عصر. بدأت هذه الشهوة في عصرنا سنة 1949 في سورية، حين انقلب قائد الجيش السوري الزعيم (جنرال) حسني الزعيم، على الرئيس الشرعي شكري القوتلي فأودعه في السجن مع رئيس وزرائه خالد العظم، وأقال الوزارة وحل المجلس النيابي ودعا أسعد طلس ليجعله رئيساً للوزارة، فاعتذر وقال له: لقد فتحت باباً لن يغلق.

2. بعد ثلاثة أشهر، حدث انقلاب على الزعيم قاده سامي الحناوي، وقبل نهاية العام حدث انقلاب ثالث قاده أديب الشيشكلي، ثم توالت الانقلابات بعد ذلك، فحصلت وحدة بين مصر وسورية لم تلبث أن أطاح بها انقلاب الانفصال، ثم حدث على الانفصال انقلاب ورثه حزب البعث الاشتراكي، ثم انقلاب للقيادة القطرية للحزب على القيادة القومية، وأخيراً انقلاب حافظ الأسد الذي ورث الحكم وورثه بعد ما فشلت كل المحاولات الانقلابية عليه.

3. حصلت بعد انقلاب الزعيم انقلابات عسكرية في مصر والعراق واليمن وليبيا والسودان حيث لا يزال الصراع مستمراً بين الشعب والعسكر. كانت الانقلابات عسكرية على المدنيين، ولم نشهد غير انقلابين مختلفين، أحدهما يوم انقلب عبد الرحمن سوار الذهب على النميري ثم استقال ورد الحكم للمدنيين، والآخر نشهده اليوم، حيث يقوم رئيس منتخب في نظام ديمقراطي، بركوب موجة شعبوية خلال أزمة معاشية، فيعطل مجلس الشعب المنتخب ويقيل الوزارة، ويدعو إلى وضع دستور جديد، تماماً كما يحصل في الانقلابات العسكرية في ظاهرة جديدة يمكن أن نطلق عليها صفة الانقلاب المدني.

4. رشدي الكيخيا رئيس حزب الشعب في سورية، يوم انقلاب حسني الزعيم، ذكر عنه أنه قال: إذا استشرى داء الانقلاب في سورية فسوف تعيش خمسين سنة على الأقل حتى تقضي عليه، وها هي سورية بعد إحدى وخمسين سنة من حكم الأسد الوالد والأسد الولد، ما تزال عاجزة عن القضاء على انقلاب قضى على السوريين بالموت والتشريد والدمار، يبدو أنه مستمر في وجوده، فقد نال القبول من جميع الأطراف.

5. ليت العسكريين والمدنيين يعلمون أن الحكم أمانة، وأنه يوم القيامة خزي وندامة لمن لا يراعي حق الله تعالى وحقوق العباد. وأن الصراع على الحكم سبب في فناء المتصارعين وفي فناء الأمة. قال رسول الله محمد (ص): (هلاك أمتي بأيدي غلمة (جمع غلام) من قريش في إشارة إلى ما جرى بعده من صراع بين أهل البيت وبني أمية وبني العباس. قال الله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) صدق الله العظيم. وليعلم الجميع أن شهوة الرئاسة شهوة مستبدة وأن النار حفت بالشهوات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى