مقالات - Articles

قراءتان في المشكلة السورية

*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا

 

  • أربع كلمات في جملة مفيدة، قرأها السوريون كما تُقرأ اللغة العربية، من اليمين إلى اليسار (الشعب يريد إسقاط النظام) فأحدثت ثورة شعبية سلمية. وقرأها الحاكم طبيب العيون، كما تُقرأ اللغة الأجنبية من اليسار إلى اليمين (النظام يريد إسقاط الشعب) فأثارت حرباً أهلية، ما تزال رحاها دائرة تطحن الأخضر واليابس منذ 12 اثنتي عشرة سنة.

 

  • في مدينة درعا يوم كتبها تلميذ على جدار، استثارت الجملة إدارة أمن الدولة، فقامت باعتقال التلميذ ومجموعة من زملائه، ومارست عليهم أبشع أساليب التعذيب النفسي والجسدي، التي أدت إلى وفاة التلميذ واحتجاز زملائه، ولم تفلح مراجعات أولياء التلاميذ لإطلاق سراحهم، وإنما عرضتهم لأقبح عبارات الإهانة والاحتقار، فكانت تلك هي الشرارة التي أشعلت الثورة في درعا ثم في جميع المدن والقرى السورية.

 

  • كانت الثورة يوم انطلاقتها في 15-3-2011 ثورة سلمية على نظام الحكم الفردي العسكري الطائفي، تهدف إلى إصلاحات سياسية تعيد للشعب بعض حقوقه الدستورية المسلوبة، فقابلها النظام المذعور بالرصاص والقنابل، حتى ألجأ المتظاهرين إلى حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم، ورافق ذلك انشقاق مجموعات من الضباط والجنود، الذين انحازوا إلى جماهير الشعب، كما تسربت جماعات مسلحة إلى البلاد لنصرة الثورة، وجماعات أخرى لنصرة النظام، وتطورت الأحداث إلى حرب أهلية.

 

  • في إيران أعلن الخامنئي الجهاد لنصرة الحاكم السوري، وفي أمريكا أعلن أوباما أن على الأسد أن يتنحى، فرفض الأسد وأعلن أنه سيدحض المؤامرة، وتدخلت الميلشيات الطائفية، من لبنان والعراق وإيران بمساعدة فيلق القدس الإيراني وحزب الله اللبناني، ثم تدخلت روسيا بطلب من الأسد، بعدما أشرف على السقوط خلال أسبوعين، واجتاحت قواتها حلب وحماة وحمص ودمشق ودرعا، في مرحلة احتلال أجنبي ما يزال قائماً.

 

  • أرسلت الجامعة العربية الفريق السوداني محمد الدابي وسيطاً لوقف القتال فلم يفلح، ثم أرسلت الأمم المتحدة كوفي عنان فلم يوفق، ثم أرسلت الأخضر الإبراهيمي في محاولة لتشكيل حكومة من النظام والمعارضة دون جدوى. وفي مجلس الأمن عرض مشروع قرار بتطبيق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يسمح بالتدخل العسكري لحفظ السلام، فاستعملت روسيا والصين حق الفيتو لرفض المشروع. ثم في مرحلة لاحقة بتاريخ 18-12-2015 صدر قرار مجلس الأمن 2254، ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي يشمل جميع الأطراف في سوريا، تتولى مكافحة الإرهاب وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة. فنجمت مشكلة بشأن وجود الأسد، حيث اعتبرت المجموعة العربية والغربية أن القرار يضع نهاية لحكم الأسد، في حين رأت روسيا والصين أن الأمر متروك للسورين.

 

  • في جنيف ثم في أستانة بكازاخستان، تولى الوسيط الدولي ديمستورا متابعة الأمور برعاية روسيا وتركيا وإيران، فعرض الموضوع في أربع سلال: إقامة حكم انتقالي ومكافحة الإرهاب، وصياغة دستور وإجراء انتخابات حرة. وبعد أخذ و رد بين وفد النظام الذي تمسك بأولوية مكافحة الإرهاب، و وفد المعارضة الذي تمسك بأولوية الحكم الانتقالي، اقترحت روسيا البدء بصياغة الدستور! فهل يسمح الحاكم بدستور يحرمه من الحكم؟! صدق من قال: إنهم يضعون العربة أمام الحصان.

 

  • تابع ديمستورا عمله، فتشكلت لجنة دستورية من ممثلين عن النظام والمعارضة وجماعات العمل المدني. وبعد 17 سبع عشرة جولة في أستانة بكازاخستان و سوتشي في روسيا لم تسفر عن نتيجة استقال ديمستورا، و تولى الوساطة بيدرسون الذي عرض خطته: خطوة من النظام وخطوة من المعارضة، و بعد 8 ثماني جولات في جنيف لم تأت بجديد أعلن مندوب روسيا في سوريا لافرنتيف أن وضع دستور جديد لا يعني زوال الأسد، فأعلن بيدرسون أن زوال الاسد لم يعد مطروحاً، و أن عقد دورة تاسعة لم يعد ممكنا، و أن القرار 2254 لم ينجح في حل المشكلة. وأخيرا في تقرير شهري له إلى مجلس الأمن بتاريخ 24-1-2023 ذكر أن السوريين منقسمون بشدة، وعالقون بين أزمة إنسانية وسياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية وحقوق إنسان، والبلاد مقسمة بين 5 خمسة جيوش وجماعات إرهابية ونصف السكان نازحون وبحاجة إلى المساعدات الإنسانية، وتلك مهمته. وهكذا صحت كلمة وليد المعلم وزير الخارجية السوري السابق لزملائه، حين لاموه على قبول المفاوضات مع المعارضة، قال لهم: نقبل المفاوضات ثم نغرقهم في التفاصيل.

 

  • لقد أراد الشعب إسقاط النظام، فأسقط النظام إرادة الشعب، وأثبت أنه ليس نظاماً، وإنما هو عصابة (مافيا) يقودها مجرم بعد مجرم. إنها المأساة بدأت في فلسطين ثم في سوريا، فأين تكون بعدها؟ في لبنان أم العراق أم اليمن أم ليبيا؟ أفيقوا يا عرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى