مقالات - Articles

الرجل الذي فقدناه

*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا

1- في ألمانيا بمدينة آخن، أعلن خبر وفاة الأستاذ عصام العطار، يوم الجمعة 24 شوال 1445 الموافق 3 مايو2024، فانطوى بوفاته علم كبير كان يخفق عاليا في السماء97 سنة. فقد ولد رحمه الله في دمشق بسورية سنة 1927م. والده أحد رجال القضاء البارزين.

2- بدأ دراسته في دمشق وأتم فيها المرحلة الثانوية ثم وقف نفسه للمطالعة والبحث والتفكير والابتكار والكتابة والخطابة، وكانت لديه مكتبة تحمل رفوفها أمهات الكتب الأدبية والعلمية والسياسية. وفي زيارة له مع جماعة من طلاب الجامعة لمحت عيناي في المكتبة مجلداً كبيراً عنوانه مذكرات ونستون تشرشل، وزير خارجية بريطانيا المشهور..

3- عرفته أيام الدراسة في كلية الشريعة بالجامعة السورية جامعة دمشق سنوات 1958حتى 1961، كان يلقي خطبة الجمعة في مسجد الجامعة، وكان المسجد ملتقى أساتذة الجامعة وطلابها والمواطنين من مختلف المدن والقرى، يضيق بهم المسجد فتتسع لهم الحديقة وأرصفة الشوارع المحيطة بالحديقة.

4- وكانت سورية هي الإقليم الشمالي ومصر هي الإقليم الجنوبي في دولة الوحدة الجمهورية العربية المتحدة برئاسة جمال عبد الناصر الذي أمر بحل الأحزاب وأنشأ حزباً وحيداً هو الإتحاد القومي. فكانت خطبة عصام إشادة بالوحدة وترسيخها ورفضا للاستبداد ومصادرة الحريات.

5- ثلاث سنوات فقط ويحصل الانفصال بانقلاب عسكري دمشقي في 28 سبتمبر1961 ويقوم نظام سياسي جديد باسم الجمهورية العربية السورية برئاسة الدكتور ناظم القدسي، فيرفضه عصام ولا يوقع على وثيقة الانفصال التي وقع عليها جميع السياسيين، ويستمر في دعوته لإعادة الوحدة.

6- وتجرى انتخابات لمجلس النواب فيترشح عصام مع اثنين من إخوانه فيفوز بأصوات لم يقاربها سياسيون قدامى مشاهير، وفي المجلس أقام مع رفاقه كتلة الإسلاميين الوحدويين، ويرشح لرآسة الوزارة بشير العظمة فيرفض عصام أن يرأس الوزارة شيوعي ويوجه إنذاراً بالعصيان المدني فتسقط الوزارة خلال أيام.

7- سنتان وربع ويقع انقلاب عسكري بعثي وحدوي في 8 آذار مارس 1963 بهدف إعادة الوحدة ويغدر البعثيون برفاقهم الوحدويين لتتولى القيادة القومية الحكم برئاسة أمين الحافظ. وفي رحلة لعصام إلى الحج يمنع عصام من العودة إلى دمشق فيتوجه إلى بيروت ومنها إلى آخن وشهدت وداعه في بيت الله الحرام.

8- في مدينة آخن بألمانيا واصل عصام نشاطه الإسلامي الدعوي، وحين كلفه الإخوان بمهمة المراقب العام ليصلح المتخاصمين لم يلبث أن استقال وأنشأ مجموعة الطلائع الدعوية. وقد حاول حافظ أسد احتواءه فعين نجاح العطار شقيقة عصام وزيرة للثقافة ثم نائبة له دون جدوى فعصام ولاؤه للشعب السوري وليس للحكم الطائفي. فأرسل الأسد فريقاً من مجرميه لاغتياله وحين لم يظفروا به قتلوا زوجته بنان الطنطاوي. وتنفجر الثورة السورية في 15 مارس 2011 فيعلن عصام ولاءه للشعب وعداءه للنظام الطائفي ويحتضن القضية السورية حتى وفاته رحمه الله.

9- حين وجه عصام انذاره سخر منه شاعر شيوعي في أبيات من الشعر قال فيها يا أبا الإنذار إنذارك قد هز الرواسي
يا أبا اﻹنذار لو وافيت في العهد الرئاسي
عهد فرعون الذي داس على أهل الشماسي

يشير إلى مظلة شمسية بيضاء كان إخوان عصام يظللونه بها من الشمس أثناء مرضه عند خروجه من المسجد. فهاجني قوله فنظمت أبياتاً قلت فيها:

صرح دين الله راسي والتقى أقوى أساس
وحطام البغي والإلحاد في طور اندراس
يا أخا الإيمان أعداؤك باتوا في مآسي
روعتهم هبة المارد في يوم نعاس
حسبوا أنا نيام فتنادوا لاختلاس
قل لهم انا لبسنا للوغى أمضى لباس
نحن جند نرقب الأمر سنبقى في احتراس

10- أخي عصام، أيها السيف الذي لم يغمد كنت حراً شريفاً ولاؤك للأمة لا لحزب ولا لجماعة فأحبتك الجماهير وكنت حرباً على أعداء الأمة فهابك دعاة الفرقة والعزلة والتغريب وكانت لك مراجعات أصلحت بها الخصومات فأحبك الجميع، رحمة الله عليك رحمة واسعة., إنا لله وإنا إليه راجعون

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى