دعوة - Dawaa

الطريق النبوي لصناعة الرجال.. هذه هي مفاتيح التربية الصحيحة لأطفالك..

أرسى النبي صلى الله عليه وسلم منذ 1400 عام قواعد التربية الإيجابية الصحيحة للأطفال، فكانت هذه القواعد هي المصنع الحقيقي لصناعة الرجال الذين أحاطوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد بدأت هذه التربية النبوية من مساعدة الأطفال على الشعور بالانتماء والأهمية، وحتى الوصول للقمة في كل شيء.

فمن السهل على بعض الآباء أن يكونوا متساهلين مع أبنائهم، ولكنهم قد يواجهون صعوبة في أن يتصرفوا بصرامة وحزم معهم، وهذا الأسلوب في الغالب يؤدي إلى التساهل مع الأبناء. وعلى الجانب الآخر، يجد آباء آخرون سهولة في التصرف بحزم وصرامة، وينسون العطف على أبنائهم، وهذا الأسلوب يؤدي إلى التطرف في الشدة والقسوة، وكلا الأسلوبين يضر بالأبناء، إذ لا تساعد الشدة المفرطة ولا التساهل هؤلاء الأبناء على تنمية المهارات الحياتية لديهم واللازمة ليكونوا مبتهجين ومشاركين وقادرين على مواجهة الحياة.

وقد امتلك النبي صلى الله عليه وسلم قلوب الأطفال بتقديره وإجلاله لهم، فانظر للنبي صلى الله عليه وسلم حينما أتي بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره. فقال: «يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟ قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله، فأعطاه إياه».

يحيلنا تصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الغلام لمراعاته ضمانًا للتوافق النفسي والاجتماعي للطفل. يتعلق الأمر بحاجته للشعور بأنه محبوب ومرغوب فيه من لدن كل من يتعاملون معه، وأن له قيمة ينبغي أن تُحترم وحضورًا يجب أن يُصان، وتغذية الحاجة إلى التقبل والاحترام تُجنب الطفل كل ميل إلى السلبية والانطواء وكراهية الآخر، مما يعزز ثقته بذاته، ويضمن انخراطه على نحو إيجابي في النسيج المجتمعي.

وحين ننظر في السيرة النبوية نجد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:

أخذ الحسن بن علي -رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟ وفي مسند الإمام أحمد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم أدخل أصبعه في فم الحسن، فانتزع التمرة ثم قال: إنا آل محمد لا نأكل الصدقة.

وإذا نظرت لتصرف النبي صلى الله عليه وسلم، نجده  يحث على عدم إهمال أي تصرف شاذ بحجة أنه صادر عن طفل غير مدرك لتبعات سلوكه، أو أن المخالفة يسيرة مادام مرتكبها صغيرًا لا يعقل.

فالتنشئة السليمة تستلزم قدرًا من الحزم الذي يصون أفعال الصغير عن العبث، غير أن هناك فرقًا واضحًا بين تنشئة الطفل على الطاعة وتعويده الاحتكام إلى منهاج شخصي للأخلاق يستمد منه قراراته ومواقفه، ويستضيء به في تفاعله مع محيطه الاجتماعي.

وحرص النبي صلى الله عليه وسلم- أثناء تعامله اللطيف مع الأطفال على احترامه لنفوسهم وذواتهم، وعلى توصيل أفضل المفاهيم إليهم بأبسط الوسائل وأقومها، فيحكي لنا أحد الأطفال هذا الموقف له مع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو عبد الله بن عامر، فيقول: «دعتني أمي ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعد في بيتنا، فقالت: هَا تعالَ أعطيك، فقال، صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرًا. فقال لها: “أما إنك لو لم تعطه شيئًا لكُتبت عليك كذبة”.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يحذرها من أن تكذب على الصبي أو تستهين بمشاعره، ولو أن تقول له تعالَ أعطيك شيئًا، ثم لا تفعل.

وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على احترام الشئون الخاصة بالاطفال وعدم الاستهانة أو السخرية منها،  فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل علينا ولي أخ صغير يُكنى أبا عُمير، وكان له نغر يلعب به، فمات فدخل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فرآه حزينًا، فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نغره، فقال: يا أبا عمير ما فعل النغير.

فعلى الرغم من صغر سن الطفل فإنه اقتطع من وقته ليتواصل ويتعاطف معه عند وفاة حيوانه الأليف.

 كيف اكتشف النبي مهارات الأطفال؟

كان النبي صلى الله عليه وسلم يشجع على الاستخدام البناء للمهارات الشخصية ويدعم الاستقلالية، فعنه حدثنا خلاد، ثنا عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر، أن امرأة قالت: يا رسول الله، ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه، فإن لي غلامًا نجارًا؟ قال: «إن شئت»، فعملت المنبر. حدثنا قتيبة، ثنا عبد العزيز، حدثني أبو حازم، عن سهل، قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى امرأة: «مري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن».

نجد هنا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يستصغر الغلام ويوجهه لمهام تافهة، بل وثق في قدراته ووكل إليه مهامًا جادة، واعتمد عليه في صنع المجلس.

أسرار ومفاتيح تربية النبي

1/ الوصول لقلوب الاطفال بالفكاهة والابتسامة

رفض أنس –ظاهريًا- تنفيذ أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فماذا كان تصرف النبي، عليه الصلاة والسلام؟ أنه خرج وراءه، (تركه بدايةً؛ ما رد عليه ولا هدده) لكنه تابعه وخرج وراءه فرآه واقفًا مع الغلمان، وكأنه الآن سيلهو عن الشيء المطلوب، فأمسك الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنسًا من قفاه من خلفه، وهذا الإمساك إمساك ملاطفة وليس إمساكًا خنقًا لقول أنس: «فنظرت إليه وهو يضحك»، وهذا دليل على أنه كان يلاطف ولم يكن يعبس في وجهه.

ولننظر إلى صيغة الخطاب في كلام الرسول -صلى الله عليه و سلم- وتلطفه بالنداء، في قوله لأنس: يا أنيس، تلطفًا وحنانًا وأبوة.

2/ الثناء والتقدير

قال ابن عباس: ضَمَّني رسول الله وقال: اللهم علمه الكتاب، وقال ابن عباس: وضعت للنبي وضوءًا قال: من وضع هذا؟ فأخبر؛ فقال: اللهم فقهه في الدين. ولما خدم أنس رسول الله دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته».

3/ تعليم الطفل

ويتجلى هذا في الموقف النبوي الشهير في قول عمر بن أبي سلمة: «كنت غلامًا في حِجْر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت يدي تطيش في الصحفة»؛ فعلَّمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رفق ولين كيف يأكل، فقال له: «يا غلام سم الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك»، فهو لم يقل مثلًا: «لا تطش في الصحفة»، بل علمه ما يجب عليه فعله.

4/ سيطر على أفعالك

وتخبر هذه الأداة أنه كيف نتوقع من الأطفال أن يسيطروا على أفعالهم ما لم نستطع نحن الكبار السيطرة على أفعالنا، ونقصد بذلك الأفعال التي تؤذي الطفل مثل الضرب والتعنيف، وغيرها من ردود الأفعال الغاضبة.

فعن أبي كريب، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا قط بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل.

5/ الإقرار بالحب

قال أنس بن مالك، رضي الله عنه: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلممن أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله -صلى الله عليه وسلمفخرجت حتى أمر على صبيان يلعبون في السوق، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم

—قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟ فقلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله.

حيث يخبرك كتاب التهذيب الإيجابي: «إن التأكد من وصول حبك إلى أطفالك هو أعظم ما تقدمه لأطفالك. إنهم يشكلون آراءهم من خلال إدراكهم لما تشعر به تجاههم، فعندما يشعرون أنك تحبهم وتحافظ على خصوصيتهم يتكوَّن بداخلهم رغبة قوية في تطوير قدراتهم»، وفي المقابل نجد قول البراء، رضي الله عنه: رأيت النبي والحسن بن علي على عاتقه يقول: اللهم إني أُحِبُّه فأَحِبَّه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى