مقالات - Articles

من ويندسور … بيروت في القلب

*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا

1 – سمعت عن بيروت وأنا صغير، أحاديث الأهل عن جمالها وحلاوتها، عن المباني والشوارع والأسواق والبضائع والخيرات والأرزاق وأذكر أن خالي يوم كان يتجهز للزواج، كان يأتي بلوازم العرس والعروس من بيروت، وكانت النسوة يزغردن وينشدن (من بيروت يا يمه جبنا جهاز للحلوه).  وكان ذلك يشوقني بلهفة الى رؤية بيروت.

2 – ورأيت بيروت سنه 1955 في رحلة رياضية وكشفية، أجرينا خلالها مبارايات وعقدنا لقاءات مع الأندية والفرق، في طرابلس وبيروت وزحلة، وقمنا بزيارة إلى إهدن وبشري والأرز.  وكانت لنا في بيروت أكلات في مطاعم الشواء وحلويات الصمدي والبحصلي، وجولات في ساحة الشهداء وشارع الحمرا، وصخرات الروشة وسوق سرسق، وطلعات في الترام بين المنارة وفرن الشباك.  ولن أنسى ما جرى لنا في مسبح سان سيمون، حين منعنا الحارس من السباحة بسروال طويل وقال مستغرباً (شو هيدا بتسبحوا بشراويل)، فقد كان لباسنا الرياضي القميص والسروال الطويل حتى القدمين، فخرجنا وقد خسرنا ثمن تذاكر الدخول.

3 – وزرت بيروت سنة 1965 يومين بدعوة من صديق في عين المريسة وأديت بعض الصلوات في جامع الأمين، وحضرت صلاة الجمعة في جامعة بيروت العربية، ثم غادرت بيروت بنية العودة في وقت قريب.  ولكن العصابة الحاكمة في سورية حرمتنا من زيارة دمشق وبيروت وطاردتنا حتى لجأنا إلى كندا.

4 – وقرأت عن بيروت بعض كتابات المؤرخين عن نشأتها وتطورها في الماضي والحاضر.  وطالعت أخبار رجالاتها في العصر الحديث، منهم الرؤساء رياض الصلح وعبدالله اليافي وصائب سلام ورفيق الحريري وغيرهم، ومنهم العلماء الشهيد الشيخ الدكتور صبحي الصالح، ولد في طرابلس وعمل في بيروت أستاذ للشريعة والقانون في الجامعة اللبنانية وجامعة بيروت العربية، وكان لنا أستاذاً زائراً في كلية الشريعة بجامعة دمشق، والشيخ مصطفى الغلاييني المرجع في قواعد اللغة العربية، والشهيد المفتي الشيخ حسن خالد، والشيخ هشام خليفة أطال الله عمره والد الأخ محمد هشام وغيرهم.  وقرأت عن المؤسسات العلمية والأدبية والاجتماعية والفنية التي لا يتسع المجال لذكرها، والتي جعلت من بيروت قبلة للعلوم والآداب والفنون.

5 – اليوم في بيروت، نشهد فاجعة لم تحصل من قبل إلا في اليابان في مدينتي ناغازاكي وهيروشيما، يوم ألقيت عليهما القنابل الذرية وأحدثت فيهما دماراً أهلك الأحياء، وأتى على الأخضر واليابس وخلف أجيالاً من المشوهين. ذكرت الأخبار أن الانفجار في بيروت سمع في جزيرة قبرص على بعد 30 كيلو متر.  ورأينا في الصور تطاير الناس في الهواء وانهيار المباني بمن فيها على الأرض، واشتعال النيران في كل مكان.  إنها جريمة العصر التي لم تتكشف بعد عناصرها، وإننا بانتظار فعاليات التحقيق المحلية والعالمية، لندعو إلى معاقبة الفاعلين والمتسببين بأشد العقوبات.  إنها جريمة إبادة للحياة الإنسانية أدنى عقوبة لها الاعدام.

6 – بيروت لن تقهر هي أخت حماه وفيها من أهل حماه عائلة آل الأحدب، وفي حماه من أهل بيروت عائلة آل المشنوق.  بيروت هي القلعة الصامدة في مواجهة الأعداء، من أعلن منهم العداوة ومن أخفاها، تشارك في الصمود أخوات لها في حماه ودرعا وغزة والفلوجة، قلاع الصمود في سورية وفلسطين والعراق.  بيروت هي الحسناء الفاتنة، والحسن يجلب الشر للحسناء.

 

إنه الحسن كم يجر على الحس       ناء شراً وكم يهين حرائر

والحسن يجلب الحسد للحسناء.

حسداً حملنه من دونها                وقديما كان في الناس الحسد

أسأل الله تعالى أن يحفظ بيروت وأهلها من كل شر إنه سميع مجيب

أعيذ بيروت برب الفلق       من حاسد وشر ما قد خلق…

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى