مقالات - Articles

التضخم: شهوات و أزمات

*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا

حين يبلغ أجر لاعب في كرة قدم ٢٠٠ مليون يورو في موسم واحد، فهذا تضخم في أجور اللاعبين، وحين يساوي الدولار الأمريكي ١٥ ألف ليرة لبنانية، فهذا تضخم في أسعار الصرف، وحين يبلغ ثمن ربطة الخبز في سورية ٣٠٠ ليرة، فهذا تضخم في قيمة المواد التموينية، وحين يصل التضخم في كندا أعلى مستوى له منذ ٣٠ عاما فذلك يعني أننا في زمن التضخم.

2. وكل تضخم في مجاله يقابله تقزم في المجال وتعقبه أزمة، ويوم تجاوزت سلطة الضابط في وحدته العسكرية حصلت الانقلابات، ويوم استبد الرئيس المنتخب فأعمل قانون الطوارئ، صودرت الحريات، وها هي الدول تتسابق في ميادين التسلح فتحصل الويلات. فنحن في زمن الازمات.

3. وأخطر ما يكون التضخم في الشهوات، حين يشتهي القبيح أن يكون جميلاً، والغبي أن يكون ذكياً، والأنثى أن تصير ذكراً، والذكر أن يصير أنثى، فتكثر عمليات التجميل، وتجري محاولات التحويل، ولا بأس في عمليات التجميل إذا نجحت في إصلاح تشوه جسدي، خلافاً لعمليات التحويل التي لا أمل في نجاحها.

4. بالأمس كانت غاية الإنسان أن يحقق ذاته، واليوم يحاول الإنسان أن يغير ذاته، وحياة الإنسان لا تستقيم في حالة انفصام بين نفسه وجسده، وإذا كان لا بد من تغيير فأيسر أن يكون في مشاعره، لأن تغيير المشاعر النفسية أسهل من تغيير الملامح الجسدية، وتلك مهمة المربين في البيت والمدرسة والمجتمع والدولة التي من أهم واجباتها أن تحمي المواطن من عدوان غيره عليه، أليس من واجبها أن تحميه من عدوانه على نفسه وجسده؟ وهل كانت الدولة مخطئة حين اعتبرت الانتحار جريمة وعاقبت من يحاول الانتحار؟!

5. أية مصلحة للذكر حين تتحول مشاعره إلى مشاعر الأنثى ويبقى جسده جسد الذكر، وهل تسعد الأنثى بتحول مشاعرها إلى مشاعر الذكر وجسدها جسد الأنثى؟! وإذا نجحت محاولات التحويل النفسي فهل تنجح محاولات التحويل الجسدي لكل منهما؟ وكم يتكلف ذلك من الوقت والمال دون جدوى؟! تلك محاولات عبثية، استجابة لأهواء شاذة لا تأتي للإنسان بخير، اعتبرها الشرع الحنيف من وحي الشيطان، كما ورد عنه في القرآن الكريم (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) صدق الله العظيم.

6. في القرآن الكريم حذرنا الله سبحانه وتعالى من مساوئ النفس البشرية، بقوله جل وعز (إن النفس لأمارة بالسوء)، وحذرنا من مساوئ الهوى بقوله (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)، وحذرنا من الشيطان بقوله (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا). وفي قصيدة البردة لأمير الشعراء أحمد شوقي قوله: وخالف النفس والشيطان واعصهما…. وإن هما محضاك النصح فاتهم…. فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت…. من جهلها بنذير الشيب والهرم…. من لي برد جماح من غوايتها…. كما يرد جماح الخيل باللجم…. والنفس كالطفل إن تتركه شب على…. حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم. اللهم سلمنا من غواية النفس ومن وساس الشيطان آمين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى