مقالات - Articles

يد الله مع الجماعة

*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا

 

  • في القرآن الكريم ورد قول الله تعالى (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ)، كان ذلك قبل قوله تعالى (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) صدق الله العظيم. فتبادر لبعض الناس أنه يفترض في المسلم الواحد أن يغلب عشرة من غير المسلمين.
  • وفي مجلس حضرته سمعت أحد الجلساء يحدث الناس عن رجل داهمه عشرة رجال فصرعهم جميعاً في جولة واحدة، فمن السامعين من صدقه وأيد قصته، ومنهم من سكت وهز رأسه يمنة ويسرة، والحقيقة أن الآية الكريمة لم تتحدث عن واحد بمفرده، وإنما تحدثت عن جماعة قليلة تغلب جماعة كثيرة، وفرق كبير بين قدرة الواحد بمفرده وبين قدرته في جماعة، لأن الواحد في الجماعة يستمد من كل واحد فيها قوة معنوية تضاف إلى قوته، وكلما كثرت الجماعة كبرت قوة الفرد فيها، لذلك فإن يد الله مع الجماعة.
  • موسى عليه السلام حين ضعف عن مخاطبة فرعون قال له الله تعالى: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ)، وخالد بن الوليد في معركة اليرموك، سمع أحد جنوده يقول: “ما أكثر الروم وأقل المسلمين”، فغضب خالد وأقبل عليه يقول:” بل ما أقل الروم وأكثر المسلمين!، وإنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان”، وفي المعركة هزم المسلمون الروم. وفي معركة الجولان السورية استطاعت مفرزة من الجنود السوريين أن توقف القوات المعادية عشر ساعات حتى استشهد جميع أفرادها. كل هذه الوقائع تبرز ازدياد قدرة الفرد حين يكون في جماعة.
  • المهلب ابن أبي صفرة والي خراسان كلفه الحجاج بقتال الخوارج فقاتلهم 19 سنة حتى كسر شوكتهم، حين شعر بدنو أجله، جمع أولاده وقدم إليهم عدداً من القضبان ليكسروها، فكسروها قضيبا بعد قضيب، ثم قدم إليهم حزمة من القضبان ليكسروها مرة واحدة، فعجزوا عن كسرها، فأنشدهم بقوله:” كونوا جميعا يا بني إذا اعترى….. خطب ولا تتفرقوا آحادا…. تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً….. وإذا افترقن تكسرت أفرادا”. فذهب قوله مثلاً تردده الأجيال دليلاً على قوة الجماعة.
  • غوستاف لوبون في كتابه روح الجماعات، وعلماء الاجتماع غيره تكلموا عن روح الجماعة، فذكروا أن روح الجماعة قوة معنوية تضاف إلى قوة الفرد الذاتية، تقوي رغبته في العمل وتعزز قناعته به، وتضاعف قدرته عليه وتشد عزيمته في مواصلته فينجز ما لا يستطيع إنجازه بمفرده، وكلما ازداد عدد الجماعة ازداد تأثر هذه العوامل.
  • وجرت العادة أن تكون في الجماعة الواحدة فئة موالية وأخرى معارضة، وذلك أمر مقبول لأن وجود المعارضة في الجماعة ظاهرة صحية، تكسبها حيوية ونشاطاً إذا كان ذلك في الحدود المعتادة، لكن الملاحظ في الكثير من الجماعات أن القيادة ترفض المعارضة، فيؤدي ذلك إلى الحركات الانفصالية التي تضعف الجماعة وقد تقضي عليها. فمن الضروري في كل جماعة وجود قواعد تضبط الخلاف وتعالجه ووجود مجلس حكماء ومحكمة تقضي في الخلافات لتبقي على وحدة الجماعة.
  • في المجتمع الإسلامي قواعد تعالج الخلاف في الرأي، منها القول بأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ومنها وجوب الاعتدال في الرضى والغضب بين الأفراد، كما هو في قول النبي (ص) ” أحبب حبيبك هونا ما، عسى ان يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى ان يكون حبيبك يوما ما”. ومنها ترك الجدال في الأمر كما ورد في قوله (ص) ” أنا ضامن بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق”. ومنها التحكيم كما هو الأمر في إصلاح ذات البين في العلاقات الزوجية. قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا). وحين لا تجدي جميع هذه الوسائل في حل الخلاف، أباح الشرع استعمال القوة، قال الله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) صدق الله العظيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى