مقالات - Articles

الصراع بين البشر حقيقة أزلية

*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا

1- الصراع بين البشر حقيقة أزلية وأبدية، بدأت يوم قتل قابيل بن آدم أخاه هابيل، وعلى مدى العصور التاريخية حصلت معارك محلية وغزوات إقليمية وحروب قارية، حتى اقتتل البشر في حرب عالمية سنة 1914، استمرت أربع سنوات. وعصبة الأمم مؤسسة دولية عالمية أقيمت بعد الحرب سنة 1919، لإحلال السلام في العالم، فلم يحل السلام ونشبت حرب عالمية ثانية سنة 1939، دامت ست سنوات. وأعيدت المحاولة بتشكيل منظمة الأمم المتحدة سنة 1945، وفيها مجلس للأمن فلم يتحقق الأمن والعالم ينتظر حربا عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر.

2. أمتنا العربية والإسلامية اليوم هي الخاسر الأكبر في هذا الصراع، بسبب ضعفها في الميدان العسكري، وفقرها في المجال الاقتصادي بعدما سلبت ثرواتها أيام الاستعمار، وما تزال تسلب بأيدي حكام مستبدين وحلفاء طامعين. وهي اليوم تكابد خسارة عظمى دينية وقومية بعد قيام دولة الإحتلال في فلسطين.

3. ما جرى في غزة يذكرنا بما جرى في مدينة حماة سنة 1982، هناك قصفت المدينة براجمات الصواريخ وقذائف الطائرات والمدافع واجتاحت الدبابات والجرافات مناطق سكنية ومنشآت ثقافية ومستشفيات وأسواقا تجارية سوتها بتراب الأرض، ولم يتمكن الاحياء من دفن موتاهم في المقابر بسبب منع التجول، فألقيت الجثث في الأزقة والشوارع وبلغت الخسائر في الأرواح ثلاثين ألف ضحية.

4. احتجاز حماس رهائن مدنيين إسرائيليين بهدف تحرير معتقلين فلسطينيين، عمل يقابل من المجتمع الدولي بالرفض، لأن العالم لا يفطن إلى أن المختطفين وافدون غرباء يسكنون أرضا مغتصبة طرد منها أصحابها، وأنهم في مأمن من الأذى يعاملون برفق واحترام، وينسى المجتمع الدولي أن إسرائيل لا مبرر لها في شن حرب إبادة على أهل غزة بلغت ضحاياها 15000 قتيل و 30000 مصاب ومليون ونصف نازح، كل ذلك بحجة تحرير المختطفين الذين كان يمكن تحريرهم بالمفاوضات. ليت الذين ينقمون على حماس انتفاضتها يذكرون اقتحام الصهاينة حرمة المسجد الأقصى تمهيدا لهدمه وبناء الهيكل وأن ذلك ينذر باشتعال حرب دينية لا تبقي ولا تذر، وان الخصومات تمكن معالجتها لدى المحاكم الدولية، وأن إسرائيل دأبت على تحدي القرارات الدولية.

5. كثير من الذين يظهرون على وسائل الإعلام اعتبروا طوفان الأقصى حربا كحرب بدر، واسترجعوا ذكريات القادسية وحطين وعين جالوت، ولكنهم بعدما فاجأتهم الخسائر أخذوا يتكلمون عن الصبر والأجر والثواب، وفي مقدمتهم مشايخ يخوضون في كل ميدان غير مبالين بتجاوزهم على ميادين الطب الحيوي والنفسي والتنظير الإجتماعي والإقتصادي والسياسي، ولم يبق لهم غير أن يخوضوا في الميدان الرياضي ليحدثونا عن مهارات في كرة القدم!

6. القياس مع الفارق عنوان كبير في كتب المنطق والفلسفة، مفادة أنه حين نقيس مسألة جديدة على مسألة قديمة، فإنه لابد أن نتأكد من تطابق المسألتين في الشكل والموضوع، فإن حصل بينهما اختلاف يبطل القياس. وعلى ذلك فإن قياس بعضهم معركة غزة على غزوة بدر قياس باطل، لوجود الفرق الكبير بين السيف والرمح من جهة، والأسلحة الفتاكة من جهة ثانية، وبين حامل السيف وموجه القذيفة، وحرب بين العرب والإسرائيليين ليست كحرب بين المسلمين والمشركين في بدر، لأن المسلمين كانت لهم قاعدة أمينة في المدينة المنورة، وليس لنا أمان في وجود حكام هم صنائع اجنبية.

7. تحرير فلسطين ليس مطلبا فلسطينيا خاصا ولكنه مطلب مصري وسوري وعربي لأن دولة الإحتلال لن يقر لها قرار حتى تمزق سوريا والعراق أولا ومن ثم مصر والعالم العربي. وهذا ما يجري له الاعداد في الخفاء مع وجود أنظمة ديكتاتورية للشعوب، طبقا لما ورد في كتاب خنجر إسرائيل للكاتب الهندي كارانجيا الذي صدر في القرن الماضي عام 1957، معتمدا على وثيقة صهيونية متسربة.

8. الحرب قرار سياسي خطير تتخذه القيادة السياسية بعد دراسة الأوضاع المحلية والمجاورة، وتقدير مواقف الدول صاحبة المصالح العسكرية والاقتصادية والسياسية في المنطقة، وبعد تقدير احتياجات الحرب من السلاح والعتاد واتخاذ الأسباب اللازمة لمعالجة ما يرافق الحرب من أزمات معاشية واقتصادية واجتماعية. والقيادة السياسية هي التي تعلن الحرب وتقرر مواصلتها أو وقفها وإنهاءها، وما يجري خلالها من مفاوضات وما يتبعها من معاهدات. وما جرى بين العرب واسرائيل منذ فرضت الهدنة الأولى في حرب 1948، بعدما اجتاحت القوات العربية أرض فلسطين وما جرى في حرب الأيام الستة عام 1967، لم يمكن حربا بقدر ما هو مغامرات تخفي ورائها مؤامرات.

9. حكام العرب في المنطقة هم الذين يتسابقون بتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني غير مهتمين بمأساة شعوبهم وغير مبالين بما تخبئ لهم الأيام من غدر العدو الصهيوني حين تنكشف ابعاد المؤامرة الكبرى عليهم وعلى شعوبهم. حكام العرب في المنطقة أعداء شعوبهم، وقد تحررت شعوب معاصرة من حكامها المستبدين في الأرجنتين وتشيلي بأساليب سلمية تمكن ممارستها، كالتظاهرات والإضراب عن العمل والعصيان المدني وكل ما يثير حماسة جماهير الطلاب والعمال والفلاحين، وجميع أساليب اللاعنف التي مارسها مهاتما غاندي تجاه الاستعمار البريطاني وتلك مهمة العلماء والأدباء والإعلاميين. لكن ذلك سيكون صعبا في سورية لأن الحاكم يحتمي بطائفة دينية حاقدة، ولكن فداحة تضحياتها في حمايته سيشعرها بأنه أصبح وبالاً عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى