مقالات - Articles

في سورية: ضاعت الطاسة

*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا

كنت أعيد النظر في مقال كتبته عن كارثة الكلية الحربية في مدينة حمص السورية، وتفجر في فلسطين طوفان المسجد الأقصى وإنها لمأساة كبرى نتابع أحداثها ولا يتسع لها مقال فصدق فينا قول الشاعر المتنبي: رماني الدهر بالأرزاء حتى ….. فؤادي في غشاء من نبال ….. فصرت إذا أصابتني سهام ….. تكسرت النصال على النصال.

  • الطاسة وعاء من آنية المطبخ تشبه نصف الكرة الفارغ، يوضع فيها الماء واللبن وغيرهما من المواد الغذائية، وتقدر بها المواد اللازمة لعمليات المطبخ المختلفة. ضربت مثلاً لضبط الأمور في الحياة الاجتماعية والسياسية والعامة.

 

  • تذكر الحكاية أن جماعة من الناس في الحمام أسرفوا في إراقة الماء، فلما وضعوا الصابون على وجوههم تسلل صاحب الحمام فأخذ الطاسة وتركهم كالعميان في هرج ومرج يتصارعون ويتصادمون وهم يبحثون عن الطاسة ليزيلوا الصابون عن عيونهم دون جدوى، فقد ضاعت الطاسة.

 

  • وفي حكاية ثانية أن أحد الأمراء أراد ضبط مقادير المواد التموينية في السوق، فأمر بصنع طاسة أميرية لذلك، لكن بعض التجار أخفوا الطاسة وصاروا يمارسون الغش والتزوير وقالوا ضاعت الطاسة.

 

  • وحكاية ثالثة عن قابلة تولد النساء تستعمل طاسة تملؤها بالماء وتضع فيها المولود فإذا طفا على سطح الماء تبين أنه من أولاد الحرام وإذا سقط في الطاسة كان من أولاد الحلال، وأنها حضرت ولادة زوجة الحاكم، فلما وضعت المولود في الطاسة طفا على السطح: فقالت إن المولود ولد حرام. وكان في المشهد نائب الحاكم ينتظر ولادة المولود ليبشر الحاكم، فلما سمع كلام القابلة اختطف الطاسة وألقاها في النهر فغاصت فيه واختفت، فأعلن أن الطاسة ضاعت. هكذا كانت الحكايات كلها تقريراً لاخفاء الحقائق وإشاعة الكذب وخداع الجماهير.

 

  • في سوريا قيل مدة، في مدينة حمص حصلت مجزرة رهيبة، ذهب ضحيتها عشرات من الضباط المتخرجين ومئات من أهلهم وذويهم، أصيبوا بمتفجرات سقطت عليهم من مسيرات طائرة لم يتبين بعد مصدرها، تذكرنا بتفجير مجموعة قيادات عسكرية ومدنية فيما سميت مجموعة الأزمة، وبعدد من عمليات الاغتيال والانتحار طالت وزراء وضباطاً كباراً لم تعرف حقيقتها حتى اليوم، فقد ضاعت طاستها.

 

  • نالت سورية استقلالها عن الاستعمار الفرنسي عام 1946 ، وتسلمت الكتلة الوطنية قيادتها السياسية برئاسة شكري القوتلي، ثم انهارت الكتلة الوطنية ليظهر في دمشق الحزب الوطني وفي حلب حزب الشعب، فأطاح بالحزبين انقلاب قائد الجيش الزعيم حسني الزعيم عام 1949 ، الذي مالبث أن تبعه بعد ثلاثة شهور انقلاب اللواء سامي الحناوي، الذي أطاح به بعد ثلالثة شهور انقلاب العقيد أديب الشيشكلي الأول ليرأس البلاد المدني هاشم الأتاسي، الذي مالبث أن أطاح به الانقلاب الثاني للشيشكلي الذي أصبح رئيساً للدولة، ثم ما لبث أن أطاح به عصيان النقيب مصطفى حمدون في حلب، فغادر الشيشكلي البلاد بعد ما رفض التسبب في صدام مسلح بين دمشق وحلب. وعاد الرئيس هاشم الأتاسي ثم تبعه الرئيس شكري القوتلي الذي تنازل عن الرئاسة لرئيس مصر جمال عبدالناصر، وحصلت الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 ، وبعد ثلاث سنوات حذث الانفصال ورأس البلاد المدني ناظم القدسي حتى أطاح به انقلاب اللواء زياد الحريري بتاريخ 8-3-1963 . وتولى السطة اللواء لؤي الأتاسي الذي مالبث أن استقال وتولت السطة القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي برئاسة اللواء أمين الحافظ.

 

  • آلت الصراعات على السلطة إلى انفراد الحزب بها لتنشأ صراعات جديدة داخل الحزب فقد انقلبت القيادة القطرية على القيادة القومية عام 1966 وترأس البلاد نور الدين الأتاسي، ولم تهدأ الصراعات حتى انقلب اللواء حافظ الأسد على رفاقه سنة 1970 بما سمي الحركة التصحيحية. وانفرد حافظ بالسلطة ثلاثين عاماً، ثم ورث الحكم لابنه بشار الذي لا يزال حاكماً خلال ثلاث وعشرين سنة.

 

  • اليوم تتقاسم الغنائم في سورية مجموعة من الدول: أمريكا وروسيا وتركيا وإيران واسرائيل. وأعداد من الجماعات المسلحة: النصرة وداعش وقسد والجيش الحر وحزب الله والعصابات الطائفية الأخرى. وبشلر الأسد غطاء للمرجل الذي تغلي فيه الأحداث، ولا يعلم أحد إلا الله تعالى ما تخبئه الأيام، فليت الأيام تجود علينا بطاسة جديدة نغسل بماءها وجوهنا كي نرى ما حولنا من حقائق وما أشيع من أكاذيب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى